كفى بالموت واعظاً
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم ـ أيها المسلمون ـ ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعد، فيا عباد الله:
كثيراً ما تساءلت وأنا أتلو هذه الآية من كتاب الله سبحانه وتعالى: {تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 67/1ـ2] كثيراً ما تساءلت: لماذا قدم البيان الإلهي الموت على الحياة، مع أن خلق الحياة سابق على خلق الموت؟ وكتاب الله عز وجل عميق ودقيق في تعابيره وحِكَمِهِ وإشاراته، لعل المقتضى كما قد يتصور الإنسان لأول وهلة أن يقول الله عز وجل: الذي خلق الحياة والموت ليبلوكم أيكم أحسن عملاً. ولكني هديت فيما بعد إلى الحكمة من هذا التقديم والله أعلم.
صحيح أن الموت يأتي بعد الحياة من حيث الواقع والترتيب العملي والتطبيقي والتنفيذي، ولكن الموت ينبغي أن يكون مقدماً على الحياة من حيث النظام ومن حيث وَضْع المشروع، من حيث تصور الإنسان لما ينبغي أن يفعل في حياته التي قيضها الله سبحانه وتعالى له، من حيث المشروع الذي ينبغي أن يضعه نصب عينيه لتنفيذه، ينبغي أن يوضع الموت أولاً ثم ينبغي أن توضع المراحل التي تلي الموت ثانياً؛ ذلك لأن الإنسان الذي يفتح عينيه على هذه الحياة الدنيا فيتعامل معها دون أن يعلم أن نهاية تقلبه في هذه الحياة هي الموت، فلسوف يتعامل مع مقومات الحياة بطريقة تشقي ولا تسعد، ولسوف يفاجأ منها بمطبات تهلك. ولكن إذا وضع مشروع حياته التي سيعالجها وسيمشي على أساسها؛ وقد وضع نصب عينيه قبل كل شيء أن هذه الحياة تنتهي بغلاف الموت، وأن الموت هو العاقبة لكل حي، فإنه عندئذ يتعامل مع مقومات الحياة بالطريقة التي تسعده وتسعد أبناء جنسه، وتبعد عنه مغبات الشقاء كلها. إذن فالحياة مقدَّمة على الموت من حيث المراحل المادية، من حيث الواقع التنفيذي، ولكن الموت مقدم على الحياة من حيث رسم المشروع، من حيث وضع الخطة، والمهندسون عندما يضعون خططهم يضعون في اعتبارهم النهايات التنفيذية قبل البدايات، وهذا شرط أساسي وعلمي لابد منه، فمن أجل هذا قدم البيان الإلهي الموت على الحياة فقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 67/2].
الإنسان الذي لا يضع الموت نصب عينيه في اللحظات الأولى التي يفتح عينيه فيها على هذه الحياة الدنيا؛ لايستطيع أن يصلح أمور دنياه، ولا يستطيع أن يصلح أمور دينه أبداً؛ ذلك لأن الذي وضع الموت وراء ظهره وتخيل أنه غير مقبل عليه وتناساه أو نسيه، فلابد أن يُقبل هذا الإنسان على هذه الحياة الدنيا إقبال العاشق، إقبال النهم، إقبال الخالد المخلَّد، بل المخلِّد أيضاً في هذه الحياة التي يعيشها، ومن ثَمَّ فإنه يغامر في الوصول إلى ما يهوى وما يحلم به، وما يسيل لعابه عليه؛ دون أن يجد أمامه أي ضابط أو أي قيود تحد من مغامراته، وتحد من إقباله. تختفي الأخلاقيات، تختفي الضوابط الاجتماعية التي يشيع بمقتضاها الإيثار بدلاً من الأثرة، كل ذلك يختفي، ذلك لأن هذا الإنسان نسي الموت أو تناسى الموت، ومن ثَمَّ فهو عندما يقبل على الدنيا يقبل عليها إقبال الظمآن الذي يعلم أن البحار كلها لن تروي ظمأه، يقبل على متعها وملاذّها إقبال من لا يرى أي حد للمتع التي يتشهاها، والإنسان هكذا شأنه، كما قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ((لو كان لابن آدم وادٍ من مال لابتغى إليه ثانياً، ولو كان له واديان لابتغى إليه ثالثاً، ولايملأ جوف ابن آدم إلا التراب)) أي لا يوقفه عند حد إلا تذكره للموت، كما نبه بيان الله سبحانه وتعالى.
وهكذا فإن الإنسان الذي نسي أو تناسى الموت ووضعه وراء ظهره؛ لا يسعد نفسه في تعامله مع الدنيا ولا يسعد إخوانه، بل لابد أن يكون عبئاً على نفسه ولابد أن يكون أيضاً عبئاً على إخوانه في المجتمع الذي هو فيه، يؤثر نفسه على الآخرين يغمر دون حدود، دون قيود، دون ضوابط.
ولكنه إذا وضع مشروع تعامله مع الحياة التي يعيشها ووضع في الخطوة الأولى من هذا المشروع صورة الواقع الذي يعيشه، وعلم أن الموت هو النهاية وهو المرحلة الأخرى لكل مغامراته وأعماله، ثم وضع هذه النهاية من حياته في بوابة تعامله مع الحياة كما نبه بيان الله سبحانه وتعالى، فإنه يقبل على الحياة الدنيا ومعايشها؛ لكن لا إقبال العاشق النهم، بل إقبال الموظف الذي أقامه الله عز وجل على ثغر كلفه بمَلْئِه. يقبل على تجارته، صناعته، زراعته، أعماله إقبال من كلفه الله سبحانه وتعالى بذلك يجد بيانَ الله عز وجل يقول: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 67/15] يقول لبيك يارب. يمارس أعماله ووظائفه وهو يحسِب في كل ليلة أن الموت ربما سيواجهه في صباح اليوم التالي. إقباله على الدنيا إقبال الموظف، ومن ثَمَّ فإذا دعا الداعي إلى الإيثار آثر، وإذا دعا الداعي إلى ضبط النفس وعدم تَمَيُّعها وسيرها في سكك الحياة المتنوعة. وإذا دعا الداعي إلى أن يسير طبق النهج الذي رسمه الله قال: لبيك. ومن ثمَّ فهو يُسعد نفسه بالمال الذي يجمعه، ويسعد مجتمعه أيضاً؛ لأنه لا يصبح عندئذ عبئاً على أفراد المجتمع بل يصبح عوناً لأفراد المجتمع بفضل أي شيء؟ بفضل أنه وضع الموت مدخلاً لتعامله مع الحياة. مامن خطوة يخطوها إلا وهو يعلم أن نهاية عمله هو الموت. وما الموت؟ التحول من الحياة الدنيا إلى الحياة البرزخية، الإقدام على الله سبحانه وتعالى.
كذلكم الإنسان الذي يعرض عن الموت فلا يتذكره ولا يتعامل معه على أساس أنه المدخل لكل تصرفاته وأعماله الدينية التي يقبل فيها على مرضاة الله عز وجل الإنسان الذي يمارس وظائفه الدينية مبتورة عن الموت وتذكره، تصبح وظائفه رسماً بدون حياة. تصبح أعماله وحركاته الدينية أشبه ما تكون بالمدينة المسحورة، التي تجد فيها أشباحاً ولا تجد فيها حياة ولا حركة. يصلي ربما، يصوم ربما، يحج ربما، لكنها حركات تَعَوَّدَ عليها، كلمات تمرّس لسانه على النطق بها، أما الشعور، أما رقة القلب، أما الإحساس، أما الروح التي ينبغي أن تنسكب في الصلاة إذا صلاها، التي ينبغي أن تنسكب في الذكر إذا ذكر الله، في تلاوة القرآن إذا تلا، في الحج إلى بيت الله إذا ذهب حاجاً كل ذلك معدوم. لماذا؟ لأن القلب إذا نسي الموت قسا، تحول إلى ما يشبه هذا الجدار الصلد. ولايمكن للإنسان أن يستشعر قلبه الرقة ولا الخشية إلا إذا علم أن حياته مطبوعة بطابع الموت، إلا إذا علم أنه كما حمل بالأمس تلك الجنازة على الأعناق، ورآها وهي ممدودة، ورأى من في داخلها وهو ملفوف بأكفانه، يعلم أنه عما قريب سيكون هو هذا الرجل، وسيكون هو هذا الممتد في داخل هذا الصندوق، ولسوف يكون هو هذا المحمول على الأعناق، إذا لم يدرك الإنسان هذه الحقيقة فهيهات للقلب أن يرقّ، وهيهات له أن يخشع.
كثيرون هم الذي يشكون إليَّ أنهم لا يكادون ينسون الموت، وأن تذكرهم للموت يزجهم في مخافة وفي خشية وفي وحشة. قلت: إن السبب في هذا لا يعود إلى تذكر الموت، ولكنه يعود إلى أنك تتذكر الموت ولا تتذكر الإله الذي حكم عليك بالموت. فمن كان قلبه فارغاً عن الإيمان بالله، من كان عقله فارغاً عن تذكر سلطان الله عز وجل؛ فلاشك أن تذكر الموت يوحشه؛ لأنه يتصور أن الموت عَدَمٌ يُزَجّ في واديه إلى غير رجعة، ومن ثم يستوحش. أما الإنسان الذي علم أنه عبد مملوك لله عز وجل، وأنه دخل إلى هذه الحياة الدنيا بالأمس من باب الولادة؛ وسيخرج منها غداً من باب الموت ليلقى الله سبحانه وتعالى، وكان يسير في حياته طبق قدرته وقدر استطاعته على ما يرضي الله عز وجل، فالموت لا يكون سبباً لوحشة، لا. بل الموت يكون مُسَتَقْبِل بشارة، يكون أداة فرحة وسرور. ولكن فرق بين من كان قلبه مؤمناً بالله عز وجل وبين من كان قلبه ناسياً لله سبحانه وتعالى.
إذن فهذا الإنسان الذي لا يذكر الموت بل وضعه وراءه ظِهرياً، لايستطيع أن يمارس سعادة في أعماله الدينية، أعماله الدينية تصبح شبحاً لا روح فيها، وهيهات أن تتسرب الخشية إلى شيء من مشاعره. ولكن إذا أصبح الإنسان وأمسى وهو يتذكر الموت، ويتلو الآيات التي تحدّث عن الموت، {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة: 62/8] إذا تذكر قول الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَما الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 3/185] الإنسان الذي يتذكر الموت ويعلم أنه على موعد معه، لكنه لايعلم أين يقف من الطابور الذي ينتظر الموت ـ كما قلت مراراً ـ أهو يقف في مؤخرة الطابور؟ أم يقف عند أول نافذة الموت في أول الطابور؟ لايعلم. عندما يدرك الإنسان هذه الحقيقة؛ إن صلى كانت صلاته شبحاً تسري روح الخشية فيها، إذا ذكر الله كان ذكره نبضات يشعر بها في سويداء قلبه مناجاة وخشية للهسبحانه وتعالى، إذا تلا كتاب الله سبحانه وتعالى خُيل إليه أن الله يناجيه وأنه واقف بين يديه، هكذا يصنع الموت بالإنسان. هل هنالك نعمة في حياة الإنسان أَجَلُّ من أن يبدأها بهذه البوابة التي هي في الواقع التنفيذي تأتي في نهاية المراحل؟ لكن لابد أن تكون من حيث الاصطباغ بالحياة مَدخلاً في أُولى الخطوات التي تمارسها، سواء في أمورك الدينية، أو في قضاياك الدنيوية المختلفة.
وعلى الإنسان الذي ابتلي بقسوة قلب فهو لا يكاد يذكر الموت حتى وإن رأى الجنائز تترى أمامه ، عليه أن يصطنع تذكر الموت، عليه أن يفعل كما فعل عمر، كان قد نقش على خاتمه هذه الكلمات: (كفى بالموت واعظاً ياعمر). ويحك ألا تذكر أنك رأيت إنساناً وقع في سياق الموت؟ ألا تذكر أنك رأيت قريباً صديقاً حبيباً أياً كان لك كان يتباهى بعافيته وقوته وسلطانه، كان يتباهى بغناه، كان يتباهى بقدراته، بحنكته بذكائه ثم نظرتَ وإذا هو ممتد على فراش الموت، وإذا بعينيه عالقتان في الأعلى، وإذا بكائن يستلب روحه من جسده شيئاً فشيئاً؟ ألم تقف أمام هذا المنظر يوماً ما؟ ألم تقل لك نفسك إنك ستمتد على الفراش ذاته؟ ولكن لا تعلم متى، وإنك ستقابل مَلَك الموت كما قابله هذا الإنسان، أجل ستجد ملك الموت بعينيك هاتين، في حين أن أهلك لا يبصرونه نعم {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 50/19] لا يحيد الإنسان في دنياه عن شيء كما يحيد عن الموت. عندما يُهرع إلى الأطباء، عندما يأوي إلى أكنانه، عندما يأكل الطيب من طعامه، عندما يفعل كل ما يستطيع أن يفعله من أجل أن يتوقى عادية الموت. والموت {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة: 62/8].
أدرك هذه الحقيقة بعقلك ثم ليصطبغ بذلك شعورك تتحول مشاعرك من هذه الدنيا إلى الآخرة. إن مارست الدنيا فبسائق من وظيفة أقامك الله فيها، وإن مارست أعمالك الدينية فكل ذلك يكون روحاً نابضاً بالخشية من الله والإقبال على الله سبحانه وتعالى. وإذا سرت في هذا الطريق مراحل إثر مراحل فلسوف تدرك أن الموت نعمة وليس نقمة، وأن لائحة الموت إذا لاحت أمامك فإنها بشارة وأي بشارة، لا تتصور أن في هذا الكلام مبالغة. ألم تسمع كلام رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فيما اتفق عليه الشيخان: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)) قالت له عائشة: يارسول الله أهو الموت؟ فكلنا يكره الموت، قال: ((ليس بذاك ولكن العبد إذا دنا موته فبُشّر بمحبة الله سبحانه وتعالى ورضوانه أحب لقاء الله. وإذا دنا الموت من العبد فبشره الله سبحانه وتعالى بمقته وغضبه كره لقاء الله فكره الله سبحانه وتعالى لقاءه)). مامعنى هذا الكلام؟ معنى هذا الكلام أن الإنسان عندما يدنو منه الموت لابد أن يره الله مقره الذي ينتظره، لاسيما إن كان من الصالحين، لاسيما إن كان من الذين يحاولون جُهد استطاعتهم أن يستنزلوا رضى الله سبحانه وتعالى عنهم. إذا حان انتقاله من هذه الدنيا بشّره الله عز وجل بوسيلةٍ ستعلمها آنذاك. بشره الله عز وجل بطريقة ما. فإذا تلقى هذه البشرى، وعلم أن الله عز وجل أعَدَّ له من النعيم ما لا يدركه خيال ولا يتصوره وَهْم من الأوهام، وأن الله راضٍ عنه. فهل تتصور أن يكون في الدنيا كلها شيء أغلى لديك من إقبالك على الله سبحانه وتعالى؟ وما قيمة هذه الدنيا العفنة بعد ذلك إذا تلقيت هذه البشرى من مولاك الكريم الرحيم أجل: ((من أحب لقاء الله أحب الله سبحانه وتعالى لقاءه)) ألم تقرأ قول الله عز وجل: {أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس: 10/62ـ64]. والولي كل من ختم الله له بعمل صالح يرضيه {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ} متى؟ قبيل الموت قبيل الموت. رحمة ولطف من الله تأتيه هذه البشرى حتى تغالب لذاتها آلام الموت فتتغلب على آلام الموت.
عندما يتلقى هذا العبد هذه البشرى من الله، أن الله راضٍ عنه وأن الله يحبّه وأن الله سيكرمه فإنّ هذا يصبح مخدِّراً ينسيه آلام الموت. ومن ثم فإن الدنيا أيضاً تصبح سوداء في ناظريه. ولكن اضمن لنفسك أن يبشرك الله هذه البشرى؛ تجدْ أن الموت لذّة، وأنه سعادة ما مثلها سعادة، أجل. وسبيل ذلك أن تتذكر الموت دائماً، وأن تجعل من تذكر الموت عُصارة تُدخل منها خشية، خوفاً، مهابة من الله سبحانه وتعالى في طاعاتك وفي أعمالك وقرباتك إلى الله سبحانه وتعالى.
أسأل الله عز وجل أن يختم حياتنا بأحب الأعمال إليه، حتى نلقاه وهو راضٍ عنا.